Tahrir Al-Maqalah Fi Syarh Al-Risalah (Al-Qairawani)
Ahmad Bin Muhammad Al-Qalsyani
تحرير المقالة في شرح الرسالة للشيخ أبي محمد القيرواني
أحمد بن محمد القلشاني
إن جهود العلماء في العصر الحاضر في سبيل تحقيق نهضة المسلمين لا يمكن أن تبنى على فراغ؛ بل لا بد أن تستفيد من تجارب السابقين واجتهاداتهم، وإن العناية بتحقيق تراثهم ودراسته هو وجه من وجوه الإستفادة؟
وفي هذا السياق يأتي هذا التحقيق لشرح الإمام أحمد القلشاني لعقيدة أبي محمد عبد الله بن أبي زيد القراواني. وتعتبر هذه الرسالة في عقيدة التوحيد، شاملة، في متناول جميع الأفهام وجميع المستويات. فقد أثبت أبو زيد القيرواني في تحريره لها براعة في التعامل الجاد مع مشاغل عصره، وقدرة على معالجة القضايا الفكرية والعقدية لأبناء جيله، بتقديمه مقررات العقيدة الإسلامية، بأسلوب مختصر يساعد الناشئة على الإحاطة بما يجب عليم معرفته من قواعد العقيدة الإسلامية التي تحدد انتماءهم للإسلام، وتصحح عباداتهم وإلتزاماتهم لأحكام الشريعة وتسلمهم بما يحفظون عقائدهم من التزلزل والتشكيك... ولذلك لا غرابة أن تنتشر في عصره في سائر بلاد المسلمين، حتى بلغت العراق واليمن والحجاز والشام ومصر وبلاد التوبة وصقلية وجميع بلا افريقية والأندلس والمغرب وبلاد السودان، وأن يوجه بعض المستشرقين، في العصر الحديث، جهودهم إلى دراستها وترحمتها، كما يقبلون على تحقيق المؤلفات الكلامية المخطوطة. وصاحب هذه الرسالة أبو زيد القيرواني هو عبد الله بن أبي زيد عبد الرحمن النفزاوي أو النغزي، القيرواني، أبو محمد. والنفزيّ نسبة إلى "نفزة"؛ قرية في الشمال الغربي من القطر التونسي. فهو من صحيح الشعب الأفريقي البربري. وأجمع مؤرخوه أن مكان ولادته مدينة القيروان، وكانت ولادته على الأرجح سنة 310هـ/922م. نشأ ابن أبي زيد القيرواني وتلقى تعليمه الديني على خوف من اضطهاد الدولة العبيدية المتربصين بكل من ينشر من المالكية علوم أهل السنة، وبكل من يتلقى هذه الدروس. وقد استطاع هذا الطالب أن يشق طريقه في طلب العلم، وأن يصل إلى الأخذ عن أبرز من يمثل المذهب المالكي بالقيروان، رغم الحصار المضروب عليهم، ولم يكتف بما تلقاه عن العلماء مباشرة؛ بل كان ابن أبي زيد القيرواني حريصاً على أن يحصل على الإجازات والأسانيد العلمية في الأحاديث والروايات والآثار وأقوال الفقهاء، وذلك من طرف مشاهير علماء عصره الذين يمثلون حلقات السند العلمي في وقته، في مراكز العلم الأخرى. وتجدر الإشارة هنا إلى ان إسناد العلماء الإجازات لمن يطلبها تعتبر تزكية له وثقة منهم بكفاءاته العلمية، أما بمعرفتهم الشخصية له، او بإستشهاده ووصول خبره إليهم. وإن إسناد هؤلاء الأئمة المشهورين إجازاتهم لابن أبي زيد القيرواني لخبر دليل على شهادتهم له بالنبوغ والعالمية، وعلى شهرته وبعد صيته في الآفاق. وتظهر جوده العملية من خلال ما تخرج على يديه من العلماء المبرزين، وما صدر عنه من التأليف. وبنظرة تقويمية لجهود ابن أبي زيد القيرواني العلمية، من خلال مؤلفاته وإشادات العلماء بها، يُبرز الشخصية العملية المفصلية في تاريخ المذهب المالكي التي سمحت لمن جاء بعد طبقته من علماء المذهب أن يرتكزوا عليها في دراساتهم الفقهية. وقد شهد له علماء المذهب بدوره في حماية المذهب المالكي وحفظه من التبعثر وتشتت الأقوال، التي تؤول عادة بأي مذهب، هذه صدرته في تعدد الأقوال والآراء، إلى الإنقسام وتولد المذاهب عنه، لذلك عدّوه ضمن علماء ستة كان لهم فضل كبير على المذهب وتماسكه وقوة حجته، فقالوا: لولا الشيخان والمحمدان والقاضيان، لذهب المذهب. فالشيخان: أبو محمدين أبي زيد، وأبو بكر الأبهري. والمحمدان: محمد بن سحفون ومحمد المواز. والقاضيان: أبو الحسن بن القصار، وأبو محمد عبد الوهاب البغدادي. هذا وقد وصف مترجموه تأليفه بأنها مفيدة، بديعة، عالية، وانها تشهد له بأنه كان واسع العلم، كثير الحفظ والرواية، وأنه في الطبقة العالية في المؤلفين